توقفت عند مقولة للعقاد هي: «غِناك في نفسك، وقيمتك في عملك، ودوافعك أولى بالتحري من غاياتك»، وتأملتها ثلاثة أشهر أقلبها على أوجهها المختلفة وجوانبها المتعددة لعلي ألمس غور أسبارها وأصل إلى عمقها الذي نشده العقاد عندما خطها بقلمه، وكلما مَكَّنْتُ لهذه الجملة من فكري وفؤادي مَكَّنَت لي من معانيها وأَخرَجت لي من أعماقها دُرراً وجواهر ولآلئ تثري الروح.
«ودوافعك أولى بالتحري من غاياتك» ساءلت نفسي كم من العمر نقضي وجل همِّنا هو تحديد الأهداف والغايات وتلمس الوسائل لتحقيقها. جل أوقاتنا على المستوى الشخصي أو مستوى العمل تصرف في تحديد الرؤية والرسالة والغايات والأهداف والوسائل، كم من العلوم استحدثت لتعيننا على تعريف الأهداف والغايات وكم من المعايير وضعت لمحاولة قياس مدى تحقيق هذه الأهداف والغايات «Balance Score Cards» «Key Performance indicators» وكم من الجهود توضع في المؤسسات والشركات في محاولة تحقيق رسالة المؤسسة أو الشركة وتحديد الدور الذي يجب أن يقوم به أصغر موظف في المؤسسة لتحقيق الغاية المرجوة وكم من برامج التدريب التي تقوم بها الشركات من أجل تجميع قوى العاملين نحو هدف وغاية واحدة. ولكن كم من الجهود تبذل في تحري الدوافع والنوايا؟..
وهنا عدت إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «نية المؤمن خير من عمله»، التي معناها ان كل طاعة تنتظم بنية وعمل وكانت النية من جملة الخيرات وكان العمل من جملة الخيرات، ولكن النية من جملة الطاعة خير من العمل، أي لكل واحد منهما أثر في المقصود وأثر النية أكثر من أثر العمل ومعنى الحديث الشريف: أن نية المؤمن من جملة طاعته خير من عمله الذي هو من جملة طاعته، والغرض أن للعبد اختياراً في النية وفي العمل، فهما عملان والنية في الجملة خيرهما.
صناعة النية علم لم ندرسه في المدارس والجامعات وكانت من أهم العلوم التي حرص عليها الأوائل وطبقوها ومارسوها وكما أوضح الغزالي في كتاب «الإحياء» فان من السلف من امتنعوا من جملة من الطاعات اذ لم تحضرهم النية وكانوا يقولون ليس تحضرنا فيه نية، وكان أحدهم إذا سُئل عملاً من أعمال البر يقول: ان رزقني الله تعالى نية فعلت، وكانوا لا يرون أن يقدموا على عمل إلاَّ بنية لعلمهم وتيقنهم بأن النية هي روح العمل وأن العمل بغير نية صادقة رياء وتكلف وقد يكون سبب مقت لا سبب قرب..
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول فان النبي قال لمعاذ بن جبل «أخلص العمل يجزك فيه القليل»، والنية ليست كلمات يستهل بها المرء عمله ليعلن بها عن نيته للعمل وإنما هي انبعاث النفس وتوجهها وميلها إلى ما ظهر لها ان فيه غرضها إما عاجلاً وإما آجلاً. والناس كلهم هلكى إلاَّ العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلاَّ العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلاَّ المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « «ان العبد ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد الملائكة في صحف مختمة فتلقى بين يدي الله فيقول ألقوا هذه الصحيفة فانه لم يرد بما فيها وجهي ثم ينادي الملائكة اكتبوا له كذا وكذا فيقولون يا ربنا انه لم يعمل شيئاً من ذلك فيقول الله تعالى انه نواه». وقد عرف الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فَمَنْ كانت هجرتهُ إلى الله ورسوله فَهجرتهُ إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هِجرتهُ لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهِجرتهُ إلى ما هَاجر إليه» متفق على صحته. هذا الحديث من أصول الإيمان الكبرى ويسمي الفقهاء ذلك «باب تحرير النية».
عندما تُفرَّغ الأعمال من روحها الا وهي النية فانها تصبح غايات دنيوية لا أهدافاً للوصول إلى الغايات المرجوة من الإنسان خليفة الله في الأرض، وتصبح الوسائل غايات وأهدافاً.. وتتفشى المفاهيم الخاطئة مثل ان تبرر الغاية والوسيلة.. وتتحكم الأهداف والغايات المادية في تصرفات الفرد والمجتمع وتضيع روح الشرع والمقاصد العليا التي يبتغيها الشرع بضياع روح العمل.
فالنية هي الروح المتعلقة بالله تضفي على الأعمال أرواحها وتربطها بحبالٍ للسماء وعلى قدر إصلاح النوايا وإخلاص العمل لمن هو أحق به وأهله والمجزى به، يكون حال الفرد والمجتمع ويكون قبول الله للعمل وتوفيقه في حصول الغايات والأهداف، فالنية سبب التوفيق ولا توفيق بدون نية.. ومن حُرم التوفيق ضَلَّ مَسْعَاه وتبددت جهوده وفات عليه الكثير في الدنيا والآخرة وان ظن أنه يحسن صنعاً..
طبيب استشاري، ورئيس مجلس ادارة مستشفى المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659- okazreaders@imc.med.sa
«ودوافعك أولى بالتحري من غاياتك» ساءلت نفسي كم من العمر نقضي وجل همِّنا هو تحديد الأهداف والغايات وتلمس الوسائل لتحقيقها. جل أوقاتنا على المستوى الشخصي أو مستوى العمل تصرف في تحديد الرؤية والرسالة والغايات والأهداف والوسائل، كم من العلوم استحدثت لتعيننا على تعريف الأهداف والغايات وكم من المعايير وضعت لمحاولة قياس مدى تحقيق هذه الأهداف والغايات «Balance Score Cards» «Key Performance indicators» وكم من الجهود توضع في المؤسسات والشركات في محاولة تحقيق رسالة المؤسسة أو الشركة وتحديد الدور الذي يجب أن يقوم به أصغر موظف في المؤسسة لتحقيق الغاية المرجوة وكم من برامج التدريب التي تقوم بها الشركات من أجل تجميع قوى العاملين نحو هدف وغاية واحدة. ولكن كم من الجهود تبذل في تحري الدوافع والنوايا؟..
وهنا عدت إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «نية المؤمن خير من عمله»، التي معناها ان كل طاعة تنتظم بنية وعمل وكانت النية من جملة الخيرات وكان العمل من جملة الخيرات، ولكن النية من جملة الطاعة خير من العمل، أي لكل واحد منهما أثر في المقصود وأثر النية أكثر من أثر العمل ومعنى الحديث الشريف: أن نية المؤمن من جملة طاعته خير من عمله الذي هو من جملة طاعته، والغرض أن للعبد اختياراً في النية وفي العمل، فهما عملان والنية في الجملة خيرهما.
صناعة النية علم لم ندرسه في المدارس والجامعات وكانت من أهم العلوم التي حرص عليها الأوائل وطبقوها ومارسوها وكما أوضح الغزالي في كتاب «الإحياء» فان من السلف من امتنعوا من جملة من الطاعات اذ لم تحضرهم النية وكانوا يقولون ليس تحضرنا فيه نية، وكان أحدهم إذا سُئل عملاً من أعمال البر يقول: ان رزقني الله تعالى نية فعلت، وكانوا لا يرون أن يقدموا على عمل إلاَّ بنية لعلمهم وتيقنهم بأن النية هي روح العمل وأن العمل بغير نية صادقة رياء وتكلف وقد يكون سبب مقت لا سبب قرب..
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول فان النبي قال لمعاذ بن جبل «أخلص العمل يجزك فيه القليل»، والنية ليست كلمات يستهل بها المرء عمله ليعلن بها عن نيته للعمل وإنما هي انبعاث النفس وتوجهها وميلها إلى ما ظهر لها ان فيه غرضها إما عاجلاً وإما آجلاً. والناس كلهم هلكى إلاَّ العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلاَّ العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلاَّ المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « «ان العبد ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد الملائكة في صحف مختمة فتلقى بين يدي الله فيقول ألقوا هذه الصحيفة فانه لم يرد بما فيها وجهي ثم ينادي الملائكة اكتبوا له كذا وكذا فيقولون يا ربنا انه لم يعمل شيئاً من ذلك فيقول الله تعالى انه نواه». وقد عرف الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فَمَنْ كانت هجرتهُ إلى الله ورسوله فَهجرتهُ إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هِجرتهُ لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهِجرتهُ إلى ما هَاجر إليه» متفق على صحته. هذا الحديث من أصول الإيمان الكبرى ويسمي الفقهاء ذلك «باب تحرير النية».
عندما تُفرَّغ الأعمال من روحها الا وهي النية فانها تصبح غايات دنيوية لا أهدافاً للوصول إلى الغايات المرجوة من الإنسان خليفة الله في الأرض، وتصبح الوسائل غايات وأهدافاً.. وتتفشى المفاهيم الخاطئة مثل ان تبرر الغاية والوسيلة.. وتتحكم الأهداف والغايات المادية في تصرفات الفرد والمجتمع وتضيع روح الشرع والمقاصد العليا التي يبتغيها الشرع بضياع روح العمل.
فالنية هي الروح المتعلقة بالله تضفي على الأعمال أرواحها وتربطها بحبالٍ للسماء وعلى قدر إصلاح النوايا وإخلاص العمل لمن هو أحق به وأهله والمجزى به، يكون حال الفرد والمجتمع ويكون قبول الله للعمل وتوفيقه في حصول الغايات والأهداف، فالنية سبب التوفيق ولا توفيق بدون نية.. ومن حُرم التوفيق ضَلَّ مَسْعَاه وتبددت جهوده وفات عليه الكثير في الدنيا والآخرة وان ظن أنه يحسن صنعاً..
طبيب استشاري، ورئيس مجلس ادارة مستشفى المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659- okazreaders@imc.med.sa